الحرب في ليبيا

بعد الحرب التي خاضها الثوار الليبيون ضد القذافي والتي انتهت بمقتل القذافي ، أصبحت ليبيا أرضا خصبة للصراعات والحروب ، صراعات داخلية بين أبناء الوطن وحروب لدول تريد تصفية حسابات فيما بينها داخل ليبيا ، حروب تشتعل لأسباب مختلفة ، والخاسر الأكبر هو الشباب الذي يعتبر وقود هذه الحروب.

على الرغم من اختفاء منظومة الجيش لأكثر من أربعة عقود ، حاولت الحكومات التي أتت بعد الثورة إلا أنها فشلت في تكوين جيش وضم المسلحين للدولة ، باتت الفوضى هي التي تحكم البلد ، ميليشيات كثيرة بتوجهات مختلفة تتصارع لتكون الأقوى .

    في ليبيا لا يوجد جيش بالمعنى المتعارف عليه دوليا ، هناك كتائب مسلحة تتبع أطراف مختلفة ، هناك من يسمي بعض الأطراف باسم “الجيش الليبي” وهذا تضليل استعمله البعض للتأثير على المشاهد وإقناعه بوجود جيش في ليبيا ويسمي الطرف الآخر في الصراع باسم “ميليشيات” لإضفاء طابع الشرعية على كتائبه وشيطنة الكتائب الأخرى ، وهذا كذب وتزوير .

    حرب تلو الأخرى تندلع في ليبيا تحصد أرواحا وتشرد عائلات وتقضي على مستقبل الباقي ، أشهرها الحرب ضد “الإرهاب” تلك الكلمة المطاطية التي لا معنى محدد لها والتي باتت تهمة جاهزة ضد أي شخص أو حزب أو مدينة ، وآخرها الحرب على داعش في سرت التي تقودها كتائب جلها من مدينة مصراتة .

    كل الأطراف المتصارعة تتلقى دعما من دول أخرى ، ولازالت الأمم المتحدة تدعي أنها تطبق حظر السلاح على ليبيا ، ومع ادعاء كل طرف بأنه على حق وأنه هو الوطني والآخر عميل خائن تختفي كل الحلول لتقريب وجهات النظر والاتفاق لإخراج البلد من هذه الفوضى ، والنتيجة مزيداً من الحرب ، مزيداً من القتل ، مزيداً من الدمار ، مزيدا من الجهل ، مزيداً من التخلف .

     يبيعون الأسلحة لكلا الطرفين ويعدوهم بالدعم ونحن نتقاتل وهم يتفرجون ويضحكون ، لازلنا نسير في الطريق الذي يُراد لنا أن نسير فيه ، ولا بوادر حتى الآن لحل للأزمة الليبية .

ليبيا بعد الثورة

     بعد نجاح الثورة التي تسببت في سقوط القذافي ونظامه الذي دام لأكثر من أربعة عقود ، ذلك النظام الذي تسبب تجهيل ممنهج على المستوى العلمي والفكري والثقافي والسياسي ، انهار كل شيء في ليبيا ، ليس سياسيا فقط بل اجتماعيا وفكريا وحتى دينيا..

     استغلت بعض الدول والتنظيمات وحتى بعض الشخصيات ، استغلت الوضع في ليبيا بعد الثورة وأراد كل منها أن يروج لأفكار وأيدولوجيات معينة ، هذه الأفكار دخيلة على المجتمع الليبي ولم يعهدها لكنها لاقت رواجا في ظل تفكك وانهيار البلد.

     من المعروف أن القذافي كان يعتقل المتدينين بحجة أنهم متشددين أو إرهابيين ، مما ولّد هذا العنف عنفا مماثلا وقتذاك وفراغا بعده ، حيث أصبحت البلاد ملاذا للكثيـــــر من التنظيمات الإسلامية ، استغلت السعودية هذه الفرصة وأرادت أن تمحو المذهب المالكي من ليبيا -والذي كان مذهب أهل المدينة في السعودية قبل ظهور الحركة الوهابية “أو السلفية كما يحبون أتباعها تسميتها” – فقامت بالترويج لمذهبهم ذاك واستعملت بعض المشايخ الذين درسوا فيها عبر بعثات دراسية أو من أولئك الذين استعملتهم لنشر هذا المذهب ، صرفت أموال عديـــدة لغرض انتشار “الوهابية أو السلفية على الطريقة السعودية” ، ولاقت رواجا كثيـــرا وبات الصراع واضحا حتى داخل وزارة الأوقاف بين أتباع هذا المنهج وذاك مما تسبب في فتنة بين الناس واحتار عامة الناس في من يتبع.

     كل من اختلف مع القذافي بعد انقلابه في سنة 1969 كان مصيره إما الموت أو الاختفاء القسري أو النفي ، من عاش من معارضيه عاش لاجئا سياسيا في الخارج ومارس معارضته من تلك البلدان ، تأثر هؤلاء بنمط حياة الغرب وأعجبوا بها مما جعل – البعض منهم – يستغلون فرصة ما بعد الثورة لنشر أفكار لا تشبهنا ، مثل الليبرالية والعلمانية ، استغلوا جهل الليبيين بالسياسة وروجوا لفكرة فصل الدين عن السياسة – التي هي من أصول الدولة السوفييتية آنذاك – مستندين على ذلك نجاح تلك الدول التي عملت بها ، مما جعلهم وأتباعهم في صدام مع الحركات الإسلامية.

     من الوسائل التي استعملها القذافي لثبيت حكمه هي القبيلة ، فكان يؤلب القبائل بعضها على بعض فيكسب ودّ قبيلة ويعادي أخرى ، ثم يكسب من عاداها ويعادي من كسبها في صفه ، وهكذا حتى انتشرت فكرة القبيلة كوسيلة للحكم ، بعد الثورة استغل بعض الحاقدين هذا الفراغ وقاموا بإعادة نشر والتأسيس لفكر القبيلة ، فانتشر التعصب القبلي حيث أصبح هو المعيار الأول والوحيد عند البعض لاختيار من ينتخبونه في أي استحقاق انتخابي.

     باختصار ، أصبحت ليبيا بعد الثورة أرضا خصبة وملاذاً لكل من يريد أن ينشر فكرة أو مذهبا أو يؤسس لتنظيم أيا كان نوعه أو طبيعة عمله وفكره.

بعيدا عن السياسة كنا إخوة

 كان الشعب الليبي لا يعرف ما يدور في بلده ، حتى تلك الأخبار المسربة من هنا وهناك من بعض المهتمين بهذا الشأن كانوا يهمسون بها خوفا من اعتقالهم واختفائهم كما حدث لكثيرين ، ولهذا كان المجتمع الليبي بيئة خصبة لانتشار الشائعات خصوصا تلك التي كانت تنشرها المخابرات الليبية عن قصد للتغطية على شيء ما كان يفعله القذافي.

     لم تكن الأخبار السياسية من اهتمامات الليبيين في السابق ، سواء أكانت الأخبار في بلادهم أو في بلدان أخرى ، ويرجع هذا للتعتيم الذي كان يفرضه القذافي على الأخبار سواء أكانت السياسية أو الاقتصادية أو غيرها ، حتى الأخبار الرياضية كانت تفلتر قبل أن تعرض على القناة الوحيدة الليبية.

     إلى أن جاءت سنة 2011 التي سميت بسنة الربيع العربي-الذي تحول فيما بعد إلى كابوس لم تصح منه الشعوب بعد-انتفضت الشعوب العربية ضد حكامها ، وتشجع الليبيون وانتفضوا ضد القذافي ، منذ ذلك الوقت أصبحت الأخبار هي الشغل الشاغل للمواطن الليبي ، في البداية كان يريد أن يعرف ماذا حدث في بلاده وما الذي سيحدث، ومع تطور الأحداث السريع والغريب في البلاد وجد المواطن الليبي نفسه مهتما بالسياسة دون أن يدري ، دون أن يفقه شيئا في هذه اللعبة ،دخلت عليه مصطلحات غريبة لم يعهدها من قبل ، ولا يعرف معناها ، ولأننا لم نعرف طيلة أربعين سنة غير الرجل الواحد والحاكم الواحد والزعيم الواحد والشخص والواحد والفكر الواحد ، لم نعرف معنى الاختلاف مطلقا ، الاختلاف الفكري أو السياسي أو الحزبي…الخ ، أصبحنا نخون بعضنا البعض فقط لأننا نختلف، أصبح الجار يبلغ عن جاره بسبب أنه “طحلوب أو جرذ” ، والأخ يقاطع أخاه بسبب أنه “علماني أو إخواني” ، صلة الرحم قطعت بسبب النقاشات الحادة التي تصل لدرجة الخلاف بسبب مواضيع لم نعهدها من قبل ولا نفقه فيها شيئا ، صداقة سنين أفسدت و بيوت هدمت بسبب السياسة ، السياسة التي أصبح الجميع يتحدث عنها ويدعي أنه خبير فيها.

الحوار الليبي

من الواضح أن الأمم المتحدة ومن ورائها من الغرب عازمون على فرض هذه الإتفاق على الليبيين ، بغض النظر عن من وافق عليه ومن عارضه،  والجلي في الموضوع هو غياب الرأي الشعبي الليبي بهذا الخصوص ، وهنا لا ألوم الأمم المتحدة والغرب فهم يحمون مصالحهم ، وإنما ألوم أولئك المواطنين الذين ينتمون لهذا البلد وأستغرب غياب دور مؤسسات المجتمع المدني وغيرها .

حاول الليبيون أنفسهم صنع حوار ليبي ليبي ، عقدت أولى جلساته في تونس ، لكنه لم يعجب تلك الدول التي أقحمت نفسها في الشأن الليبي وذيولها من الليبيين ، ولهذا قامو بعمل المستحيل لإفشاله مستعملين الإعلام كوسيلة للتشويش على ذلك الحوار وتسليط الضوء على حوار الأمم المتحدة .

البرلمان في طبرق وبعض المجالس البلدية وأعضاء-يقول رئيس المؤتمر الوطني بأنهم لا يمثلون المؤتمر وإنما يمثلون انفسهم- وبعض الأحزاب السياسية ، هم أبرز الموقعين على هذا الإتفاق الذي سيؤدي إلىكوين حكومة وفاق وطني تعمل، على فرض الأمن في البلاد ومحاربة الإرهاب والتطرف ، ولن يتم هذا ولن ينجح إلا بمساعدة قوات دولية أممية.

الجيش الليبي لم يدخل ضمن هذا الإتفاق بدعوى أنه جهة محايدة وظيفتها حماية البلاد ، لكن الحقيقة أن لا وجود لمؤسسة بهذا الاسم في ليبيا منذ أيام الحكم الملكي ،حتى اليوم ، من المعروف أن القذافي أهمل تلك المؤسسة وقاصداً إلغائها واستبدلها بكتائب مسلحة تحميه هو وعائلته وليس الشعب الليبي وليبيا ثم جائت الثورة وانهارت تلك الكتائب وأتت كتائب أخرى  ، المهم لا وجود لجيش في ليبيا بالمفهوم الدولي ، هي فقط كتائب مسلحة مختلفة التسميات والتبعيات والأيدلوجيات ، من تأتي على هواه يسميها جيشا والأخرى يسميها ميليشيات ، والعكس صحيح .

ما فعله خليفة حفتر ذلك اللواء المتقاعد سابقاً أنه قام بتكوين مجموعة مسلحة أو تنظيم أو كتيبة أطلق عليها الجيش الوطني الليبي وبدأ هذا المسمى بالإنتشار إعلاميا بين الصحف والقنوات الفضائية بقصد وبدون قصد ، حتى أقنع البعض داخل ليبيا وخارجها بأنه فعلا قائد الجيش الليبي ، تطور هذا التنظيم وتبناه البرلمان في طبرق وأصبح معترف به دوليا-بغض النظر عن الجرائم التي ارتكبها منتسبو هذا التنظيم في بنغازي وغيرها بشهادة منظمات حقوقية دولية.

من يعارض هذا الاتفاق يقول بأنه ليس محايداً ، حيث يبقي على اسم خليفة حفتر الذي أطلق عملية عسكرية سماها الكرامة والتي تهدف لمحاربة الإرهاب ، الإرهاب الذي لم يذكر اسمه سابقا في ليبيا إلا بعد تلك العملية التي لم تحقق أهدافها إلى اليوم ولهذا يعتبر هذا لاسم محل خلاف كبير بين الليبيون جميعهم.

من يوافق هذا الاتفاق يقول بأنه الفرصة الأخيرة لإنقاذ ليبيا من التطرف المتمثل في الدولة الإسلامية ، خصوصا بعد سيطرتها على مناطق عديدة في البلاد منها سرت ، ويقول بأن الجيش خط أحمر لا يجب المساس به.

من المفترض أن يتم التوقيع بشكل نهائي على اتفاق الأمم المتحدة يوم السادس عشر من ديسمبر أي بعد ثلاثة أيام من اليوم ، وهنا توجد كثيــر من التساؤلات في ذهن المواطن الليبي:

ما مدى إمكانية نجاح هذا الاتفاق على أرض الواقع خصوصا أن هناك اطرافاً ترفضه والتي توعدها المجتمع الدولي بالمحاسبة ودفع الثمن..؟

ما نوع المساعدة الأمنية لحكومة السراج التي ستشكل بعد هذا الاتفاق..؟ خصوصا بعد أن المعلن اقتراب بدأ ضربات جوية على المتطرفين في ليبيا..؟ هل سيكون هناك قوات على الأرض لمساعدة الحكومة..؟

كم من الوقت يلزم لاستعادة الأمن في البلاد ، خصوصاً أن الإرهاب يمزقها من جهة ، والتشكيلات المسلحة المختلفة فيما بينها والمتناحرة لازالت موجودة..؟هل سيكون هناك حل جذري لتلك المشاكل..؟ أم أن هذا الاتفاق سيقدم مسكنات لتلك الخلافات الليبية السياسية الحزبية والعسكرية ..؟

برأيي أننا سنكون بين طريقين بعد هذا الاتفاق ، إما أن تنطبق علينا التجربة العراقية ، أو في أفضل الأحوال نسلك طريق التجربة اللبنانية وبهذا يكون اتفاق الصخيرات بالمغرب أشبه باتفاق الطائف بالسعودية..!

نخبة البوكشاش

يوما بعد آخر تظهر على السطح محاولات لحل الأزمة التي تعيشها ليبيا بعد إسقاطها القذافي وحكمه.. الحرب على الإرهاب”عملية الكرامة”..الحوار”تحت رعاية الأمم المتحدة”..المصالحة “تحت رعاية شيوخ القبائل ورؤساء الأحزاب”..

لماذا تبــوء كل تلك المحاولات بالفشل..؟

هذه المحاولات ليست سوى دعايات وشعارات يغيب عنها صدق النوايا لخلق حل حقيقي ، حيث تم الترويج لها إعلاميا واستغلال مشاعر الشعب ونيتهم الصادقة للذهاب ب ليبيا إلى بر الأمان ، والحقيقة أنها وجدت فقط لإقصاء طرف سياسي ، أو لإقصاء شخصيات بعينها وفرض أخرى ترى مصلحتها فقط في الجلوس على الكراسي ، أو لمصلحة حزب ما يريد التفرد بالسلطة ، أو لمصلحة قبيلة أو مدينة ما تريد التحكم في البلد ، أو لنية بلدان خارجية باستغلال الوضع الحالي في ليبيا للتحكم في خيرات ومقدرات البلد.

أصبح المواطن الليبي لعبــــــة في يد من يجلسون على الكراسي ، وأيضا في يد من يسمون أنفسهم ب”النخبة” ، الذين لم يتركوا “موجة” إلا و “ركبوها” ، تارة تجدهم مع القذافي ، وتارة مع الثورة ، بعدها ينضمون إلى الكرامة ، ثم تجدهم يؤيدون الحوار ، وأخيرا يدعون للمصالحة ، ولا نعلم ما هي ال”موضة” القادمة التي سيخترعونها ليحافظوا على ظهورهم الإعلامي على حساب هذا الشعب الطيب.

حول حوار جنيف..

الحوار هو محاولة لحل المشاكل بطريقة حضارية تعكس رقي وأخلاق المتخاصمين.

في ليبيا هناك طرفان متخاصمان ، كل طرف يؤكد بأنه على حق ، وأنه يحب الخير ل بلاده ويتهم الطرف الآخر بالسعي لخرابها.

التجاذبات السياسية التي حدثت في ليبيا والحرب العسكرية التي نتجت عنها أدت إلى ظهور طرفين بارزين للنزاع.

الطرف الأول : وهو ما يطلق عليه ب حلف “الإسلاميين” ويضم الكثير من الثوار الذين حاربوا نظام القذافي بمن فيهم المتشددين الإسلاميين.

الطرف الثاني : وهو ما يطلق عليه ب حلف “العلمانيين أو المدنيين كما يسمون أنفسهم”  ، ويضم كل من انشق عن نظام القذافي وانضم للثورة من أفراد أو كتائب أمنية ، سياسيين وعسكريين ، وانضم إليهم مؤخرا بعض من مؤيدي القذافي ونظامه.

يكون الحوار مقبولا-على الأقل من وجهة نظري المتواضعة- ، أو حتى منطقيا عندما يقرر الطرفان بإرادتهم الجلوس لتسوية الخلافات التي بينهم ، أما أن يُفرض عليهم حوار ف هذا يزيد من عدد الأطراف المتحاورة “سيصبحون ثلاثة أطراف بدلا من اثنين” وبزيادة عدد الأطراف ستزداد التعقيدات والمشاكل.

الطرف الثالث : وهو المجتمع الدولي  ويضم الدول الكبرى”الإتحاد الاوروربي والولايات المتحدة والأمم المتحدة”.

على الرغم من أن الطرف الثالث هو من دعى للحوار ، وأنه حريص على إنجاحه كما يقول ، إلا أن الحقيقة-من وجهة نظري- أنه لم يتدخل من أجل ليبيا وإنما تدخل لإنقاذ مصالحه في هذا البلد.

 الشعب الليبي الذي يعاني من حروب التي لم يعتدها  والذي ملَ من هذا الوضع ينتظر الحوار بفارغ الصبر ويتمنى أن تكلل هذه الجهود بالنجاح ، إلا أنه لا يعرف متى يستطيع أن يقول بأن الحوار قد نجح..

عدم  معرفة معايير نجاح أو فشل الحوار ، عدم وجود ضمانات حقيقية لوقف إطلاق النار بين الطرفين ، كل ذلك يؤكد ما قاله أحدهم بأن “الحوار ولد ميتا”

الإتحاد الأوروبي قال بالحرف الواحد بأن حوار جنيف هو “الفرصة الأخيرة أمام الليبين” ، وهذا يعني بأنه “إما أن تقبلو أيها اللبييون بشروطنا وتنفذوها ، وإما سنتدخل بالطريقة التي نراها مناسبة ، عندئذ لا تلومو إلا أنفسكم”

في كل الأحوال أصبح قرارنا مرهونا بيد الغرب ، ولست أدري أي الخيارين يجب علينا أن نسلك  ، والذي لن يكون حلا وإنما الأقل ضررا علينا.

خيبــــــة..!

ضاعت الثورة وضاعت معها تلك الأحلام التي نسجها عقل أولئك الذين ثاروا ضد حكم القذافي.

اعتقدنا جميعا بأن زمن الظلم والقتل والاعتقال والواسطة والمحسوبية والغش قد ذهب ولن يعود ، كانت أحلامنا كبيرة ،وآمالنا أكبر ، أكبر حتى من تلك التضحيات التي قدمناها .

كنا نتوق إلى بناء بلد متحضر ، كانت أحلامنا وردية كأحلام الأطفال ، لم يكن لها سقف لتكتفي به .

ربما نسينا أو تجاهلنا تلك الضريبة التي من المفترض أن تدفعها ليبيا إلى تلك الدول التي ساعدتها في القضاء على القذافي ونظامه ، ها هي الآن تعود ، غاضبة ،لأنها لم تصل إلى ما كانت تصبو إليه .

لقد ظللنا الطريق واتخذ كل منا طريقا خاصا به ، الكل يعتقد ويؤكد بأن الطريق التي سلكه هي التي ستأخذنا إلى ما نريد

يبدو أننا أخطأنا لأننا لم نحدد منذ البداية ماذا نريد بالضبط..!

تاه كل منا في طريق وعر مليء بالأشواك

أيــــن ذلك الطريـــق..؟ 

هل تدفع ليبيا ثمن التدخل الغربي في ثورتها..؟

الكثيــــر من المفكرين والصحفيين والكتاب والسياسيين والمحللين انتقدوا وبشدة التدخل الغربي في الثورة الليبية ، رغم  أن هذا التدخل جاء بطلب من الجامعة العربية وتحت قرار من مجلس الأمن ، بل أن هناك من كان يؤيد الثورة والثوار وعندما تدخل الغرب غير رأيه ووقف ضد الثورة بحجة أنها مدعومة من الغرب.

اليوم ، ومع التجاذبات السياسية التي حدثت في ليبيا والحرب العسكرية التي نتجت عنها ، نجد تغيرا واضحا في رؤية الغرب للثورة الليبية ، ورؤية من أيد الثورة حتى من الليبيين أنفسهم ..

كل من انشق عن نظام القذافي وانضم للثورة من أفراد أو كتائب أمنية اتفقوا على تكوين حلف سمي ب”العلمانيين”، وانضم إليهم بعض من مؤيدي القذافي ونظامه سابقا.

في المقابل هناك حلف آخر أطلق عليه اسم “الإسلاميين” يضم الكثير من الثوار الذين حاربوا نظام القذافي بمن فيهم المتشددين الإسلاميين.

الصراع الدائر الآن في ليبيا هو بين الفئتين المذكورتين سابقا.

هنا يجب ان ندرك بأن هناك شريحة لابأس بها من الشعب الليبي لاتقف مع أي طرف ، بل لا يهمها من يحكمها ، القذافي أو شخص محسوب على الثورة أو حفتر..أو حتى إبليس نفسه..ما يهمها فقط هو أن يوفر لها الأمن فقط..!!

  لاشك أن دول الغرب عندما تدخلت لإزالة القذافي من الحكم كانت تفكر في مصلحتها أولا ، وليس كما يظن البعض بأن تدخلها جاء نتيجة لاحترامها تطلعات الشعوب وحماية المدنيين ، في السابق كانت مصلحتها مع القذافي ، وعند اندلاع الثورة أيقنت بأن مصلحتها مع الطرف المناوئ للقذافي ، أما اليوم فهي ترى بأن مصلحتها ليس مع الطرف الذين أطلقوا عليه لفظ “إسلاميين” ، وعلى الرغم من اختفاء جماعة أنصار الشريعة من الواجهة هي وزعيمها المدعو “الزهاوي” إلا أنهم  قاموا  بالضغط على مجلس الأمن لإصدار بيان وضعوا فيه جماعة أنصار الشريعة-وهي جماعة ذات فكر إسلامي متشدد لا يؤمنون بالديمقراطية وصناديق الاقتراع ويعتبرونها حرام بحجة أنها فكرة مستوردة من الغرب- تحت قائمة الإرهاب .

ما يدعو للاستغراب هنا أن مجلس الامن لم يذكر الجرائم التي ارتكبتها قوات المدعو خليفة حفتر في بنغازي من قتل وهدم للبيوت وتدمير للبنية التحتية جراء القتال الدائر في المدينة ، وهم بفعلتهم هذه يؤكدون بأنهم يريدون صناعة “داعش” في ليبيا حتى وإن لم تكن موجودة في الحقيقة ، وذلك بتسليط الضوء على أفراد متشددين وإيهام العالم بأنهم كثر ويشكلون خطرا على ليبيا وعلى الدول المجاورة ،  ولم لا ربما يكون هذا تمهيدا لدخول قوات أجنبية على الأرض الليبية بحجة محاربة الإرهاب ، وبذلك يعملون على تكرار مأساة الثورة السورية بعدما فشلو في استنساخ التجربة المصرية “السيسي وحفتر”.