من الواضح أن الأمم المتحدة ومن ورائها من الغرب عازمون على فرض هذه الإتفاق على الليبيين ، بغض النظر عن من وافق عليه ومن عارضه، والجلي في الموضوع هو غياب الرأي الشعبي الليبي بهذا الخصوص ، وهنا لا ألوم الأمم المتحدة والغرب فهم يحمون مصالحهم ، وإنما ألوم أولئك المواطنين الذين ينتمون لهذا البلد وأستغرب غياب دور مؤسسات المجتمع المدني وغيرها .
حاول الليبيون أنفسهم صنع حوار ليبي ليبي ، عقدت أولى جلساته في تونس ، لكنه لم يعجب تلك الدول التي أقحمت نفسها في الشأن الليبي وذيولها من الليبيين ، ولهذا قامو بعمل المستحيل لإفشاله مستعملين الإعلام كوسيلة للتشويش على ذلك الحوار وتسليط الضوء على حوار الأمم المتحدة .
البرلمان في طبرق وبعض المجالس البلدية وأعضاء-يقول رئيس المؤتمر الوطني بأنهم لا يمثلون المؤتمر وإنما يمثلون انفسهم- وبعض الأحزاب السياسية ، هم أبرز الموقعين على هذا الإتفاق الذي سيؤدي إلىكوين حكومة وفاق وطني تعمل، على فرض الأمن في البلاد ومحاربة الإرهاب والتطرف ، ولن يتم هذا ولن ينجح إلا بمساعدة قوات دولية أممية.
الجيش الليبي لم يدخل ضمن هذا الإتفاق بدعوى أنه جهة محايدة وظيفتها حماية البلاد ، لكن الحقيقة أن لا وجود لمؤسسة بهذا الاسم في ليبيا منذ أيام الحكم الملكي ،حتى اليوم ، من المعروف أن القذافي أهمل تلك المؤسسة وقاصداً إلغائها واستبدلها بكتائب مسلحة تحميه هو وعائلته وليس الشعب الليبي وليبيا ثم جائت الثورة وانهارت تلك الكتائب وأتت كتائب أخرى ، المهم لا وجود لجيش في ليبيا بالمفهوم الدولي ، هي فقط كتائب مسلحة مختلفة التسميات والتبعيات والأيدلوجيات ، من تأتي على هواه يسميها جيشا والأخرى يسميها ميليشيات ، والعكس صحيح .
ما فعله خليفة حفتر ذلك اللواء المتقاعد سابقاً أنه قام بتكوين مجموعة مسلحة أو تنظيم أو كتيبة أطلق عليها الجيش الوطني الليبي وبدأ هذا المسمى بالإنتشار إعلاميا بين الصحف والقنوات الفضائية بقصد وبدون قصد ، حتى أقنع البعض داخل ليبيا وخارجها بأنه فعلا قائد الجيش الليبي ، تطور هذا التنظيم وتبناه البرلمان في طبرق وأصبح معترف به دوليا-بغض النظر عن الجرائم التي ارتكبها منتسبو هذا التنظيم في بنغازي وغيرها بشهادة منظمات حقوقية دولية.
من يعارض هذا الاتفاق يقول بأنه ليس محايداً ، حيث يبقي على اسم خليفة حفتر الذي أطلق عملية عسكرية سماها الكرامة والتي تهدف لمحاربة الإرهاب ، الإرهاب الذي لم يذكر اسمه سابقا في ليبيا إلا بعد تلك العملية التي لم تحقق أهدافها إلى اليوم ولهذا يعتبر هذا لاسم محل خلاف كبير بين الليبيون جميعهم.
من يوافق هذا الاتفاق يقول بأنه الفرصة الأخيرة لإنقاذ ليبيا من التطرف المتمثل في الدولة الإسلامية ، خصوصا بعد سيطرتها على مناطق عديدة في البلاد منها سرت ، ويقول بأن الجيش خط أحمر لا يجب المساس به.
من المفترض أن يتم التوقيع بشكل نهائي على اتفاق الأمم المتحدة يوم السادس عشر من ديسمبر أي بعد ثلاثة أيام من اليوم ، وهنا توجد كثيــر من التساؤلات في ذهن المواطن الليبي:
ما مدى إمكانية نجاح هذا الاتفاق على أرض الواقع خصوصا أن هناك اطرافاً ترفضه والتي توعدها المجتمع الدولي بالمحاسبة ودفع الثمن..؟
ما نوع المساعدة الأمنية لحكومة السراج التي ستشكل بعد هذا الاتفاق..؟ خصوصا بعد أن المعلن اقتراب بدأ ضربات جوية على المتطرفين في ليبيا..؟ هل سيكون هناك قوات على الأرض لمساعدة الحكومة..؟
كم من الوقت يلزم لاستعادة الأمن في البلاد ، خصوصاً أن الإرهاب يمزقها من جهة ، والتشكيلات المسلحة المختلفة فيما بينها والمتناحرة لازالت موجودة..؟هل سيكون هناك حل جذري لتلك المشاكل..؟ أم أن هذا الاتفاق سيقدم مسكنات لتلك الخلافات الليبية السياسية الحزبية والعسكرية ..؟
برأيي أننا سنكون بين طريقين بعد هذا الاتفاق ، إما أن تنطبق علينا التجربة العراقية ، أو في أفضل الأحوال نسلك طريق التجربة اللبنانية وبهذا يكون اتفاق الصخيرات بالمغرب أشبه باتفاق الطائف بالسعودية..!